الادريسي |
سيرة حياته :
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسني الطالبيُّ ، و قد لُقِّبَ بالشريف لأن نَسَبِهِ يمتد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، و أمَّا الإدريسي فهو نِسبَةً إلى جِدِّهِ إدريس الأول بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة في المغرب العربي ، وُلِدَ محمد في مدينة سبتة – وهي مدينة عربية مغربية – عام 1100 ميلادي الموافق 493 هجري .
لم تذكُر المصادر التاريخية أية معلومات عن حياة الإدريسي في مدينة سبتة سواء عن نشأته فيها أو عن العلماء الذين درس على يديهم، و لكننا نعلم أن الإدريسي قد حَفِظَ القرآن الكريم و تلقَّى أصول الدين في مدينة سبتة .
و في بداية شباب الإدريسي ارتحل إلى قرطبة التي كانت من أكبر مراكز الثقافة العربية الأندلسية و هناك تلقى بعض علومه ، ولكن الشريف الإدريسي كان يريد أن يزور دول العالم المعروف آنذاك، فجاب ديار الأندلس و مدينة لشبونة و سواحل فرنسا الغربية و الجنوبية و انجلترا الجنوبية و آسيا الصغرى و غيرها من البلدان، و كان دائماً يأخذ معه ورقاً و قلماً يُسجِّل عليها كل ما رآه و سَمِعَه عن تلك البلدان . و عاد الشريف الإدريسي إلى سبتة و قد سَئِمَ الإقامة في قرطبة و لم يعُد ثُمَّة ما يطلُبُهُ من العِلم فيها، فقد أصبح عالِماً في الجغرافيا و كان قد بلغ من العمر 37 عاماً .
تمكن المسلمون من فتح خمس جزر في حوض البحر المتوسط هن، قوْصَرة و مالطة و سَرْدانِيَة و كورسيكا و صقلية ، و أما صقلية فقد فتحها العرب عام 265 هجري الموافق لعام 878 ميلادي و هي جزيرة مُثلَّثة الشكل ، مِساحَتُها 25710 كم ، تقع أمام أطراف إيطاليا ، و ظلَّت هذه الجزيرة تحت حكم العرب أكثر من قرنين حتى عام 483 هجري الموافق 1090 ميلادي، داهمها النورمانديون بقيادة الملك روجر الأول - و النورمانديون أو أهل الشمال هو إسم أُطلِقَ على الغُزاة الفايكينغ القادمين من بحار اسكندنافية – و احتلوها بعد قتال مستميت .
و يذكُر المؤرخون أن النورمانديون اتخذوا بعد استيلائهم على صقلية موقِفاً يتَّسِم بالتسامح الديني تجاه المسلمين، كما تركوا لهم حرية التمتع بالثروة و التجارة و شجَّعوهم على الاستثمار و تحسين تِجارِتِهِم .
و لمَّا تسلَّم الملك روجر الثاني الحُكم، عَمِلَ على إنشاء ديوان للمظالم و ديوان الطراز و أمر أيضاً بأن يسُك على النقود عبارة (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) ، و كان ذا معرفة بالعلوم الرياضية و العملية فأخذ يُشجِّع حركة العِلم في الجزيرة و كان يستدعي العلماء إلى بلاطِه و يُحضِر الكُتُب العربية و اليونانية مهما كان ثمنها ، و كان لا يسمع بعالِم عربي أو غير عربي إلا و دعاه إلى بلاطه، و كان يجزل العطايا على العلماء و يُسهِّل لهم أدوات البحث و وسائل الإختراع ، و يُحكىَ أنه من شِدَّةُ إكرام الملك روجر للعرب المسلمين أنَّهُ قد إتُّهِمَ من قومه بأنه قد اعتنق الإسلام و دانَ بِهِ .
و عندما سَمِعَ الملك روجر الثاني بالشريف الإدريسي و أنه عالِماً في الجغرافيا، بعث إليه يستدعيه إلى صقلية بُغية وضع مرجِعً جُغرافيًُ شامِل و رسم خريطةً دقيقةً للعالَم ، و في عام 533 هجري الموافق 1138 ميلادي وصَلَ الشريف الإدريسي إلى صقلِّية فإستقبله الملك روجر الثاني أحسن إستقبال . و في صقلية طاب العيش للشريف الإدريسي، فقد أكرمه الملك روجر أشدُّ إكرام و أجرى عليه راتباً شهرياً لا ينالُهُ إلَّا العُظام و أسكَنَهُ في احد قصور صقليه .
و في يوم من الأيام استدعى الملك روجر الثاني، الشريف الإدريسي، و قال له :
" إني أرغب بأن يكون لدي كتاب في صفة الأرض و أن يكون هذا الكتاب مؤلَّف عن مشاهد مُباشِرة لا مُستخرج من الكُتُب، و إني لم أجد أفضل منك ليقوم بهذه المهمة، فماذا تقول ؟"
فوافق الشريف الإدريسي مباشرةً ، و أشار الإدريسي على الملك روجر بأن يبُث في شتى نواحي العالم المعروف آنذاك نفراً من أذكياء الرجال و مجموعة من الرسَّامين يقومون بجمع المعلومات عن تلك البلاد و يرسمون ما يُشاهِدونَه من تِلك البلاد لتسهيل مُهِمةَ الإدريسي في تأليف ذلك الكتاب، فوافق الملك روجر الثاني و أمَرَ الإدريسي بالبدء بتأليف ذلك الكتاب .
انطلق الرجال و الرسامون الذين اختارهم الإدريسي إلى بلاد العالَم المعروف آنذاك و بدأ الرجال يُسجِّلون المعلومات الكاملة عن تلك البلدان و يقوم الرسامون برسم تلك المناطق، و بعد انتهائهم من جمع المعلومات عن البلاد و الأمم عادوا إلى الشريف الإدريسي بتلك المعلومات .
عندما وصلت تلك المعلومات إلى الشريف الإدريسي بدأ بتأليف الكتاب، و قد اعتمد الشريف في كتابة هذا الكتاب على ثلاثة أمور و هي، المعلومات التي جمعها الإدريسي خلال تِرحالهُ، و أيضاً التقارير التي وصلته من الرجال الذين بعثهم إلى شتى البلاد، و ثالِثاً المراجع و المؤلَّفات الجغرافية الموثَّقة .
و في عام 1154 ميلادي الموافق 549 هجري، أثمرت جهود الإدريسي و رِجال بِعثَتِه عن كِتاباً ضخماً اسماه الشريف ( نزهة المشتاق في اختراق الأفاق ) و بهذا الكتاب إشتهر الإدريسي في كُلِ بِقاع العالم و بين كُل العُلَماء، و يقول أحد المُستشرِقِين الفرنسيين عن هذا الكتاب :
" إن كتاب الإدريسي لا يمكن أن يوازَن به أي كتاب جغرافي سابق له ، و إن ثمة أجزاءً من المعمورة لا يزال هذا الكتاب دليل المؤرخ الجغرافي في الأمور المتصلة بها " .
و زوَّد الإدريسي كتابهُ بخريطة عامة للأرض، و بسبعة خرائط تُمثِّل أقاليم العالم السبعة المعروفة آنذاك ، و في كل هذه الخرائط حرص الإدريسي على إستخدام خطوط الطول و العرض في تحديد الأماكِن و المواضع و المسافات، فبِعَمَلِه هذا أحيا الإدريسي خطوط الطول و العرض بعدما أُهمِلَت من بعد الخوارزمي وقام بتأكيدها إلى الأبد، و في هذه الخرائط أيضاً جاء اعتراف الإدريسي بكروية الأرض .
طلب الملك روجر من الشريف الإدريسي أن يصنع له شيئاً في شكل صورة العالم، فطلب الشريف من الملك روجر الثاني بأن يحضر له كَمِّية من الفِضة ليصنع له مُجسَّماً كروياً للأرض، فبعث الملك للإدريسي من الفضة وزن أربعمائة ألف درهم فصنع الإدريسي كُرةٌ ضخمة من الفِضة و نقش عليها صِوَر الأقاليم بِبِلاَدِها و أقطارِها و سواحِلِها و برِّها و خُلجانِها و بِحارِها و مواقِعُ أنهارِها و غيرها من الطرقات ، و قد أتمَّ الشريف الكرة الأرضية بِثُلث الكمية من الفضة التي أعطاه إياه الملك، فلما رأى الملك ذلك أمر بإعطاء الثلثين الباقيين من الفضة للإدريسي و أضاف عليها مائتين ألف درهم مُكافئةً له .
بقي الشريف الإدريسي في صقلية مدة 40 عاماً، كان فيها مُقرَّباً من الملك روجر الثاني حتى وافت المنية الملك روجر و توَّفيَّ عام 549 هجري الموافق 1154 ميلادي نتيجة مرض عضال، و كان الشريف قد بلغ من العمر 55 عاماً .
تولى حكم صقلية بعد وفاة الملك روجر الثاني، إبنِهِ غاليوم الأول أو غليوم الأول، و خشي الشريف الإدريسي على مكانَتُهُ في صقلِّية، إلا أن الملك غاليوم سار على نهج أبيه، فقرَّب الشريف الإدريسي إلى بلاطه .
وفاة الإدريسي :
إختَلَفَت الروايات بوفاة الشريف الإدريسي، فإحداها تقول أن الشريف الإدريسي بَقيَّ في صقلية و توفي فيها، و الرواية الأخرى و الأرجح التي تقول أنه عاد إلى سبتة و عاش فيها حتى وافته المنية عام 1165 ميلادي الموافق 561 هجري، و فاضت روحه الطاهرة إلى خالِقِها . رَحِمَهُ الله .
ألقابه :
لم يُلقَّب محمد بالكثير من الألقاب، و لَكِنَّهُ لُقِّبَ بالشريف و الإدريسي، و لُقِّبَ بأبو الجغرافيا .
مؤلفاته :
ألَّف الشريف الإدريسي مجموعة من الكتب هي :
1 نزهة المشتاق في اختراق الأفاق
2 روضة الأنس و نزهة النفس، أو بإسم أخر (المسالك والممالك)
3 الجامع لصفات أشتات النبات
4 الأدوية المفردة
5 روض الفرج و نزهة المهج : و هو مُختصر صغير للمسالك و الممالك .
مع أن الشريف كان عالِماً في الجغرافية، إلا أنه كان شاعراً أيضاً، فقد قال :
" ليت شعري أين قبري ضاع في الغربة عمري
لم أدع للعين ما تشتاق فـــــي بــــــــــر وبـــــحـر
و خبرت الناس و الأرض لـــــدى خـــيـــر وشــــر
لم أجِد جاراً و لا داراً كــما فــي طي صدري
فـــــــــكــــــــأنـــــــــي لــــم أسِــــــر إلا بـــــِــمَــــــيــــــــتً أو بـــــــفــــــــقــــــــر "
رَحِمَهُ الله و أسكَنَهُ فسيح جِنانِه .
شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
ردحذفشكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
ردحذفشكرا
ردحذفشكرا
ردحذفحفظكم الله
ردحذفشكرا جازيلا لكم